[size=24][b][b][b]نعم .. طوبى للغرباء ..
فمن هم الغرباء .. إنهم قوم صالحون .. بين قوم سوء كثير ..
إنهم رجال ونساء .. صدقوا ما عاهدوا الله عليه ..
يقبضون على الجمر .. ويمشون على الصخر ..
ويبيتون على الرماد .. ويهربون من الفساد ..
صادقة ألسنتهم .. عفيفة فروجهم .. محفوظة أبصارهم ..
كلماتهم عفيفة .. وجلساتهم شريفة ..
* * * * * * * *
فإذا وقفوا بين يدي الله .. وشهدت الأيدي الأرجل .. وتكلمت الآذان والأعين .. فرحوا واستبشروا ..
فلم تشهد عليهم عين بنظر إلى محرمات .. ولا أذن بسماع أغنيات ..
بل شهدت لهم بالبكاء في الأسحار .. والعفة في النهار ..
أما غيرهم فتحيط بهم الفضائح .. وتهلكهم القبائح ..
{ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ * فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ } ..
* * * * * * * *
أما خبر أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ..
فعند البخاري :
أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه بالنبوة .. كان يذهب إلى غار حراء .. بجانب المدينة .. فيتعبد فيه ..
فبينما هو صلى الله عليه وسلم في هدوء الغار يوماً .. إذ جاءه جبريل فجأة .. فقال : اقرأ ..
ففزع النبي صلى الله عليه وسلم منه .. وقال : ما قرأت كتاباً قط .. ولا أحسنه .. وما أكتب .. وما أقرأ ..
فأخذه جبريل فضمه إليه .. حتى بلغ منه الجهد .. ثم تركه .. فقال : اقرأ ..
فقال صلى الله عليه وسلم : ما أنا بقارئ ..
فأخذه فضمه إليه الثانية.. حتى بلغ منه الجهد .. ثم تركه .. فقال : اقرأ ..
فقال صلى الله عليه وسلم : ما أنا بقارئ .. فأخذه جبريل فضمه إليه الثانية.. حتى بلغ منه الجهد .. ثم تركه ..
فقال : " اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم " ..
فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآيات .. ورأى هذا المنظر .. اشتد فزعه .. ورجف فؤاده .. ثم رجع إلى المدينة ..
فدخل على خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها . فقال : زملوني .. زملزني .. أي غطوني بالفرش .. ثم اضطجع .. وغطوه ..
وأم المؤمنين .. تنظر إليه لا تدري ما الذي أفزعه ..
فلبث صلى الله عليه وسلم ملياً حتى سكن روعه ..
ثم التفت إلى خديجة فأخبرها الخبر .. وقال لها : يا خديجة .. لقد خشيت على نفسي ..
فقالت خديجة : كلا .. والله لا يخزيك الله أبداً .. إنك لتصل الرحم .. وتقري الضيف .. وتحمل الكل .. وتكسب المعدوم .. وتعين على نوائب الحق ..
ثم لم ينقطع خيرها .. ولم يقف حماسها ..
وإنما أخذت بيده صلى الله عليه وسلم .. فانطلقت به حتى أتت ورقة بن نوفل ابن عمها .. وكان شيخاً كبيراً أعمى .. وكان امرءاً قد تنصر في الجاهلية .. وكان يقرأ الإنجيل .. ويكتبه .. ويعرف أخبار الأنبياء ..
فلما دخلت عليه خديجة جلست إليه ومعها رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فقالت له : يا ابن عم ! اسمع من ابن أخيك ..
فقال له ورقة : يا ابن أخي ماذا ترى ؟
فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى .. وما سمع من القرآن ..
فقال ورقة : سبوح .. سبوح .. أبشر ثم أبشر .. هذا الناموس الذي أنزل على موسى ..
ثم قال ورقة : يا ليتني فيها جذعاً .. حين يخرجك قومك .. أي شاباً قوياً لأخرج معك وأنصرك ؟
ففزع صلى الله عليه وسلم وقال : أومخرجيَّ هم ؟!
فقال : نعم ! إنه لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي .. وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً .. أي أنصرك نصراً عزيزاً أبداً ..
ثم خرج صلى الله عليه وسلم مع زوجه خديجة .. وقد أيقنت خديجة أن عهد النوم قد تولى .. وأنها مع زوج سيبتلى .. وقد تخرج من بيتها .. وتؤذى في نفسها .. وهي المرأة التي نشأت غنية منعمة .. حسيبة مكرمة .. وهاهي تستقبل البلاء ..
فهل تخاذلت عن نصرة الدين .. أو خلطت الشك باليقين .. كلا .. بل آمنت بربها .. ونصرت نبيها.. بمالها .. ورأيها .. وجهدها .. ولم يزل هذا حالها حتى لقيت ربها ..
وقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال : يا رسول الله.. هذه خديجة .. قد أتتك ومعها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب .. فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها.. ومني.. وبشرها ببيت في الجنة من قصب.. لا صخب فيه ولا نصب ..
* * * * * * *
هذا خبر خديجة .. أول من دخل في الإسلام .. ونبذ عبادة الأصنام ..
سبقت الرجال .. وخلفت الأبطال ..
حتى ضرب التاريخ الأمثال ببذلها .. ودعانا إلى الاقتداء بفعلها ..
لم تلتفت إلى توهين من كافر .. أو شبهة من فاجر ..
فكان جزاؤها أن أعدَّ الله نزلها .. وبنى بيتها ..
فاستبشرت وفرحت .. وزادت وتعبدت ..
حتى لقيت ربها وهو راض عنها ..
{ وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } ..
* * * * * * * *
فرضي الله عن أم المؤمنين خديجة .. رضي الله عن أمنا ..
فهلا اقتدت بها بناتها .. هلا اقتديت أنت بها .. ليكون لك في الجنة مثلها بيت من قصب .. لا نصب فيه ولا وصب ..
* * * * * * * *
أما خبر أم عمار .. سميةَ بنتِ خياط ..
فهو عجب ..
كانت أمة مملوكة لأبي جهل .. فلما جاء الله بالإسلام .. أسلمت هي وزوجها وولدها ..
فجعل أبو جهل يفتنهم .. ويعذبهم .. ويربطهم في الشمس حتى يشرفوا على الهلاك حراً وعطشاً ..
فكان صلى الله عليه وسلم يمر بهم وهم يعذبون .. ودماؤهم تسيل على أجسادهم .. وقد تشققت من العطش شفاههم .. وتقرحت من السياط جلودهم .. وحر الشمس يصهرهم من فوقهم ..
فيتألم لحالهم .. ويقول : صبراً آل ياسر .. صبراً آل ياسر .. فإن موعدكم الجنة ..
فتلامس هذه الكلمات أسماعهم .. فترقص أفئدتهم .. وتطير قلوبهم .. فرحاً بهذه البشرى ..
وفجأة .. إذا بفرعون هذه الأمة .. أبي جهل يأتيهم .. فيزداد غيظه عليهم .. فيسومهم عذاباً ..
ويقول : سبوا محمداً وربه .. فلا يزدادون إلا ثباتاً وصبراً .. عندها يندفع الخبيث إلى سمية .. ثم يستل حربته .. ويطعن بها في فرجها .. فتتفجر دماؤها .. ويتناثر لحمها .. فتصيح وتستغيث .. وزوجها وولدها على جانبيها .. مربوطان يلتفتان إليها ..
وأبو جهل يسب ويكفر .. وهي تحتضر وتكبر .. فلم يزل يقطع جسدها المتهالك بحربته .. حتى تقطعت أشلاءً .. وماتت رضي الله عنها ..
نعم .. ماتت .. فلله درها ما أحسن مشهد موتها ..
ماتت .. وقد أرضت ربها .. وثبتت على دينها ..
ماتت .. ولم تعبأ بجلد جلاد .. ولا إغراء فساد ..
فآهٍ لفتيات اليوم ..
تضل إحداهن بأقل من ذلك .. فتنحرف عن الصراط .. وهي لم تُجلد بسياط .. ولم تخوف بعذاب ..
ومع كل ذلك .. وتهتك سمعها بسماع الأغنيات .. وبصرها بالأفلام والمسرحيات .. وعرضها بالغزل والمكالمات .. وحجابها بتلاعب أصحاب الشهوات ..
* * * * * * *
نعم .. كانت النساء .. تصبر على البلاء ..
كن يصبرن على العذاب الشديد .. والكي بالحديد .. وفراق الزوج والأولاد ..
يصبرن على ذلك كله حباً للدين .. وتعظيماً لرب العالمين ..
لا تتنازل إحداهن عن شيء من دينها.. ولا تهتك حجابها.. ولا تدنس شرفها.. ولو كان ثمنُ ذلك حياتها..
نساء خالدات .. تعيش إحداهن لقضية واحدة .. كيف تخدم الإسلام ..
تبذل للدين مالها .. ووقتها .. بل وروحها ..
حملن هم الدين .. وحققن اليقين ..
* * * * * * * * *
أم شريك غزية الأنصارية ..
أسلمت مع أول من أسلم في مكة البلد الأمين .. فلما رأت تمكن الكافرين .. وضعف المؤمنين ..
حملت هم الدعوة إلى الدين .. فقوي إيمانها .. وارتفع شأن ربها عندها ..
ثم جعلت تدخل على نساء قريش سراً فتدعوهن إلى الإسلام .. وتحذرهن من عبادة ألأصنام ..
حتى ظهر أمرها لكفار مكة .. فاشتد غضبهم عليها .. ولم تكن قرشية يمنعها قومها ..
فأخذها الكفار وقالوا : لولا أن قومك حلفاء لنا لفعلنا بك وفعلنا .. لكنا نخرجك من مكة إلى قومك ..
فتلتلوها .. ثم حملوها على بعير .. ولم يجعلوها تحتها رحلاً .. ولا كساءً .. تعذيباً لها ..
ثم ساروا بها ثلاثة أيام .. لا يطعمونها ولا يسقونها .. حتى كادت أن تهلك ظمئاً وجوعاً ..
وكانوا من حقدهم عليها .. إذا نزلوا منزلاً أوثقوها .. ثم ألقوها تحت حر الشمس .. واستظلوا هم تحت الشجر ..
فبينما هم في طريقهم .. نزلوا منزلاً .. وأنزلوها من على البعير .. وأثقوها في الشمس ..
فاستسقتهم فلم يسقوها ..
فبينما هي تتلمظ عطشاً .. إذ بشيء بارد على صدرها .. فتناولته بيدها فإذا هو دلو من ماء ..
فشربت منه قليلاً .. ثم نزع منها فرفع .. ثم عاد فتناولته فشربت منه ثم رفع .. ثم عاد فتناولته ثم رفع مراراً ..
فشربت حتى رويت .. ثم أفاضت منه على جسدها وثيابها ..
فلما استيقظ الكفار .. وأرادوا الارتحال .. أقبلوا إليها .. فإذا هم بأثر الماء على جسدها وثيابها ..
ورأوها في هيئة حسنة .. فعجبوا .. كيف وصلت إلى الماء وهي مقيدة ..
فقالوا لها : حللت قيودك .. فأخذت سقائنا فشربت منه ؟
قلت : لا والله .. ولكنه نزل علي دلو من السماء فشربت حتى رويت ..
فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا : لئن كانت صادقة لدينها خير من ديننا ..
فتفقدوا قربهم وأسقيتهم .. فوجدوها كما تركوها .. فأسلموا عند ذلك .. كلهم .. وأطلقوها من عقالها وأحسنوا إليها ..
أسلموا كلهم بسبب صبرها وثباتها .. وتأتي أم شريك يوم القيامة وفي صحيفتها .. رجال ونساء .. أسلموا على يدها ..
* * * * * * * *
نعم عرف التاريخ أم شريك ..
وعرف أيضاً .. الغميصاء .. أم أنس بن مالك ..
التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري : دخلت الجنة فسمعت خشفة بين يدي فإذا هي الغميصاء بنت ملحان ..
امرأة من أعجب النساء ..
عاشت في بداية حياتها كغيرها من الفتيات في الجاهلية .. تزوجت مالك بن النضر ..
فلما جاء الله بالإسلام.. استجابت وفود من الأنصار .. وأسلمت أم سليم .. مع السابقين إلى الإسلام ..
وعرضت الإسلام على زوجها فأبى وغضب عليها ..
وأرادها على الخروج معه من المدينة إلى الشام .. فأبت وتمنعت ..
فخرج .. وهلك هناك ..
وكانت امرأة عاقلة جميلة فتسابق إليها الرجال ..
فخطبها أبو طلحة قبل أن يسلم فقالت :
أما إني فيك لراغبة .. وما مثلك يرد .. ولكنك رجل كافر .. وأنا امرأة مسلمة .. فإن تسلم فذاك مهري .. لا أسأل غيره ..
قال : إني على دين ..
قالت : يا أبا طلحة .. ألست تعلم أن إلهك الذي تعبده خشبة نبتت من الأرض نجرها حبشي بني فلان ؟
قال : بلى .. قالت : أفلا تستحي أن تعبد خشبة من نبات الأرض نجرها حبشي بني فلان ؟ يا أبا طلحة ..
إن أنت أسلمت لا أريد من الصداق غيره ..
قال: حتى أنظر في أمري .. فذهب ثم جاء إليها .. فقال : أشهد أن لا إله إلا الله.. و أن محمدا رسول الله..
فاستبشرت .. وقالت : يا أنس زوج أبا طلحة .. فتزوجها ..
فما كان هناك مهر قط أكرم من مهر أم سليم : الإسلام ..
انظري كيف أرخصت نفسها في سبيل دينها ..
وأسقطت من أجل الإسلام حقها ..
نعم .. فتاة تعيش لأجل قضية واحدة هي الإسلام .. كيف ترفع شأنه .. وتعلي قدره .. وتهدي الناس إليه ..
بل .. حينما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة .. استقبله الأنصار والمهاجرون فرحين مستبشرين ..
ونزل صلى الله عليه وسلم في بيت أبي أيوب .. فأقبلت الأفواج على بيته لزيارته صلى الله عليه وسلم ..
فخرجت أم سليم الأنصارية من بين هذه الجموع.. وأرادت أن تقدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً .. فلم تجد أحب إليها من فلذة كبدها ..
فأقبلت بولدها أنس .. ثم وقفت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم .. فقالت :
يا رسول الله هذا أنس يكون معك دائماً يخدمك .. ثم مضت ..
وبقي أنس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يخدمه صباحاً ومساء ..
* * * * * * * *
ولم تكن أم سليم تتصنع البذل أمام الناس وتنساه في نفسها .. وإنما العجب حالها في بيتها .. من عناية بزوجها .. ورضا بقسمة ربها ..
تزوجت أم سليم أبا طلحة .. ورزقت منه بغلام صبيح .. هو أبو عمير ..وكان أبو طلحة يحبه حباً عظيماً ..
بل كان صلى الله عليه وسلم يحبه .. ويمر بالصغير فيرى معه طيراً يلعب به .. اسمه النغير .. فكان يمازحه ويقول: يا أبا عمير ما فعل النغير ؟
فمرض الغلام .. فحزن أبو طلحة عليه حزناً شديداً .. حتى اشتد المرض بالغلام يوماً ..
وخرج أبو طلحة في حاجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وتأخر عنده ..
فازداد مرض الغلام ومات .. وأمه عنده ..
بكى بعض أهل البيت .. فهدأتهم وقالت : لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه ..
فوضعت الغلام في ناحية من البيت وغطته .. وأعدت لزوجها طعامه ..
فلما عاد أبو طلحة إلى بيته .. سألها : كيف الغلام ؟
قالت : هدأت نفسه .. وأرجو أن يكون قد استراح ..
فتوجه إليه ليراه .. فأبت عليه وقالت : هو ساكن فلا تحركه ..
ثم قربت له عشاءه فأكل وشرب .. ثم أصاب منها ما يصيبه الرجل من امرأته ..
فلما رأت أنه قد شبع واستقر .. قالت : يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم ؟ قال : لا ..
قالت : ألا تعجب من جيراننا ؟ قال : وما لهم ؟!
قالت : أعارهم قوم عارية .. وطال بقاؤها عندهم حتى رأوا أن قد ملكوها .. فلما جاء أهلها يطلبونها .. جزعوا أن يعطوهم إياها ..
فقال : بئس ما صنعوا ..
فقالت : هذا ابنك .. كانت عارية من الله .. وقد قبضه إليه .. فاحتسب ولدك عند الله ..
ففزع .. ثم قال : والله .. ما تغلبيني على الصبر الليلة .. فقام وجهز ولده ..
فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره .. فدعا لهما بالبركة ..
قال راوي الحديث : فلقد رأيت لهم بعد ذلك في المسجد سبعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن ..
فانظري كيف ارتفعت بدينها .. عن شق الجيوب.. وضرب الخدود.. والدعاء بالويل والثبور ..
هل رأيتم امرأة توفى ابنها .. بين يديها .. وتقوم بخدمة زوجها .. وتهيئ له نفسها ..
بل هل رأيت ألطف من لطفها .. أو ألين من طريقتها ..
* * * * * * * *
إن امرأة بهذا الإيمان والدين .. والصدق واليقين .. لينتشر خيرها .. وتعم بركة فعلها .. على أهل بيتها ..
فيصلح أولادها .. وتستقيم بناتها .. ويتأثر زوجها بصلاحها ..
فلا عجب أن يرتفع شأن أبي طلحة بعد زواجه منها ..
كانت أم سليم تحثه على الدعوة والجهاد .. وطاعة رب العباد .. حتى إذا كانت خرج أبو طلحة مع المجاهدين .. فاشتد عليهم البلاء ..فاضطرب المسلمون .. وقتّلوا .. وتفرقوا ..
وأقبل المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون قتله ..
فأقبل عليه أصحابه الأخيار .. وهم جرحى .. وجوعى ..
دماؤهم تسيل على دروعهم .. ولحومهم تتناثر من أجسادهم ..
أقبلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فأحاطوه بأجسادهم يصدون عنه الرماح .. وضربات السيوف .. تقع في أجسادهم دونه ..
وكان أبو طلحة يرفع صدره ويقول : يا رسول الله لا يصيبك سهم .. نحري دون نحرك .. وهو يقاتل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحامي ..
والكفار يضربونه من كل جانب .. هذا يرميه بسهم .. وذلك يضربه بسيف .. والثالث يطعنه بخنجر .. فلم يلبث أن صُرع ووقع من كثرة الضرب عليه ..
فأقبل أبو عبيدة يشتد مسرعاً .. فإذا أبو طلحة صريعاً .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( دونكم أخاكم فقد أوجب ) .. فحملوه .. فإذا بجسده بضع عشرة ضربة وطعنة ..
نعم .. كان أبو طلحة بعدها .. يرفع راية الدين .. وكان صلى الله عليه وسلم يقول : لصوت أبي طلحة في الجيش خيرٌ من فئة ..!! هذا صوته في الجيش .. فما بالك بقوته وقتاله ؟ ..
* * * * * * * *[/b][/b][/b][/size]