[size=24][size=24][size=24][size=24][b]وتمضي الأيام
[/size]
شك أن مساحة الذاكرة تحتفظ في جوانب منها ببقايا من أيام الطفولة , حيث الوعي يخط أولى خطوات تفتحه
ومحاولته التقاط بعض تكوينات البيئة المحيطة .
والأصدقاء في تلك المرحلة يأتون صدفة , تلقاهم في الحي , أو في المدرسة أو في الملعب , تخوض معهم غمار
العراك أو التحالف , ورسم المؤامرات الصغيرة , أو " التشاقي " في هذا المجال أو ذاك , او الالتقاء لممارسة
هذا الواجب المدرسي , أو الحديث عن آلام الواقع , ومعاناة العيش , والوصول إلى الاكتفاء المعيشي , أو تحقيق
الوظيفة المناسبة , أو الحديث عن أحلام ورغبات أخرى كبيرة .
وكما أن بعض صدقات الطفولة كانت تأتي صدفة فإنها كانت تذهب صدفة أيضا , وقد تكون اليوم صداقة , تنقلب
غذا إلى عداوة , وإلا كيف نكون " عيالا " وصغارا , وغير ناضجين إن لم نرتكب الأخطاء أو حتى الخطايا , ونحن
نتلمس طريقنا لامتلاك المعارف والوعي النسبي بما يحيط بنا ؟
ثم نكبر وتكبر همومنا وتتوزعنا الأيام والظروف بعد ذلك .
وندخل في معترك حياة الجد والمسئولية , قد نسافر بعيدا عن أماكن النشأة الأولى وقد توزعنا ظروف الحياة في
شتى بقاع الأرض .
لكننا عندما تجمعنا الصدف ثانية بأحد أصدقاء الطفولة , فإن اللقاء هذا إذا ما تعرف أحدنا على الآخر قد يبدأ
حميميا مشبوبا , وقد تنبش ذاكرتنا أجزاء من الذكريات الحميمة في فترة صداقة الطفولة , ثم يمضي السؤال والجواب
عن الأحوال والغربة والوظائف والأولاد والصحة , ثم يرتبك اللسان وتتلجلج الكلمات , وينتهي الحديث عن الماضي
لتحضر وقائع فترة الانقطاع الطويلة , التي لا يوجد فيها ما هو مشترك , فنضطر إلى قطع اللقاء بوعد على لقاء تال
قد لا يحدث , وإذا ما حدث فإن الكلمات لن تخرج عن ترديد ما تم ترديده في اللقاء الأول , لقد كانت صداقة طوحت
بوقائعها الأيام , وأفقدها التباعد وقع الحميمية والحرارة , لقد كانت صداقة طفولة فقط .[/b][/size][/size][/size]