[size=24][b]فوائد غض البصر[/b]
[/size]فضائل غض البصر
مقدمة :
ذكر ابن القيم في بعض كتبه فوائد غض البصر فأبدع رحمه الله ، وبيّن وفقه الله الفضائل العظيمة والجليلة لمن اتقى الله عز وجل وغض بصره عن محارم الله .
وقبل أن أذكر هذه الفوائد مع تعليق خفيف عليها ، أقدم بمقدمة أقول :
إن الله تعالى أمر بغض البصر عن المحرمات فقال تعالى (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) .
ذلك أزكى لهم : قال ابن كثير : أي أطهر لقلوبهم وأتقى لدينهم .
فإطلاق البصر سبب لأعظم الفتن ، فكم فسد بسبب النظر من عابد ، وكم انتكس بسببه من شباب وفتيات كانوا طائعين ، وكم وقع بسببه أناس في الزنا والفاحشة والعياذ بالله .
فلهذا الخطر أمر الشرع بغض البصر عن المحرمات .
بل إنه سبحانه وتعالى بدأ بالأمر بغض البصر قبل حفظ الفرج كما قال تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ) – مع أن حفظ الفرج هو الغاية والأساس – والسبب في ذلك أن إطلاق البصر هو السبب في عدم حفظ الفرج ، فإن الحوادث مبداها من البصر ، كما أن معظم النار من مستصغر الشرر .
فمن أطلق بصره للمحرمات ورأى وشاهد المحرمات ، وقع في الفواحش والمنكرات .
وإذا وقع فيها لم يكن من المفلحين لأن الله تعالى يقول ( قد أفلح المؤمنون . الذين هم في صلاتهم خاشعون . والذين هم عن اللغو معرضون . والذين هم للزكاة فاعلون . والذين هم لفروجهم حافظون . إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين . فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) .
وهذا يتضمن ثلاثة أمور : أن من لم يحفظ فرجه لم يكن من المفلحين ، وأنه من الملومين ، ومن العادين
ولذلك قال لعلي : اصرف بصرَك .
وقال في حديث أبي سعيد الخدري ( إياكم والجلوس في الطرقات ، قالوا : يا رسول الله ! مالنا بد من مجالسنا نتحدث فيها ؟ فقال : فإن كان لا بد فأعطوا الطريق حقه ؟ قالوا : وما حق الطريق ؟ قال : غض البصر ، وكف الأذى ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) متفق عليه .
إذاً :
البصر نعمة من نعم الله تعالى التي لا تحصى قال تعالى (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ) .
بل هو من أعظم النعم لمن استخدمها في طاعة الله تعالى ، وأما إذا استخدمها في غير طاعة الله فالخسارة والخسران عليه .
وقد ذكر ابن القيم فوائد غض البصر .
قال رحمه الله:
أولاً : أنه يورث القلبَ سروراً وانشراحاً أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر ، وذلك لقهره عدوَّه بمخالفته ومخالفة نفسه وهواه .
وهذه فائدة عظيمة ، فإن الله شكور كريم ، فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ، وهذا حديث صحيح رواه الإمام أحمد في مسنده ، فمن ترك النظر إلى ما حرم الله ، عوضه الله ؟ لكن بماذا يعوضه ، يعوضه بلذة الإيمان ؟ بحلاوة الإيمان ؟ بانشراح صدره ؟
نعم ، إن للإيمان حلاوة ولذة إذا وقعت في القلب جعلته منشرحاً مسروراً فرحاً ، كما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال ( ثلاث من كن وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ) فأثبت حلاوة الإيمان .
ما هي حلاوة الإيمان أيها الإخوة ؟
حلاوة الإيمان عرفها النووي بقوله : استلذاذ الطاعات وتحمل المشاق في سبيل الله .
حلاوة الإيمان : هي التي جعلت ذلك الصحابي الجليل الذي طعن في المعركة يقول : فزت ورب الكعبة .
حلاوة الإيمان هي التي جعلت ذلك الرجل يقول : لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف .
ولذلك قال بعضهم : للذة العفة أعظم من لذة الذنب .
ولا ريب في ذلك : فإن النفس إذا خالفت هواها أعقبها ذلك فرحاً وسروراً ولذة أكمل من لذة موافقة الهوى بما لا نسبة بينهما .
فليس هناك عبادة أجل وأعظم من أن يقهر الإنسان عدوه وهو الشيطان ( إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً ) . ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ) .
هل تتوقع يا أخي أنك تجاهد نفسك مجاهدة عظيمة لتعصي الشيطان وترضي الرحمن ، ثم لا يعوضك الله ؟ كلا ، بل إن الله عز وجل كريم شكور يعوضك على صبرك ومجاهدتك وإغاظتك لعدوك .
قال ابن تيمية : إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحاً فاتهمه ، فإن الرب تعالى شكور ، يعني أنه لا بد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا من حلاوة يجدها في قلبه ، وقوة انشراح وقرة عين ، فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول .
ثم قال رحمه الله :
ثانياً : تخليص القلب من ألم الحسرة ، فإن من أطلق نظره دامت حسرته فأضر شيء على القلب إرسال البصر .