[size=24][b][b][b]نعم .. ذلك الفوز الكبير ..
ولئن فرح الملك وأعوانه ساعة .. فإن المؤمنين سيفرحون ساعات ..
وليس انتصاراً للكافرين .. أن يقتل المسلمون .. ولا أن يسجن المصلحون ..
وإنما النصر أن تبقى المبادئُ حيةً تُتبع .. ورايةُ الدين ترفع ..
وليمت الراهب والغلام .. ولتحرق الأم والأيتام ..
ولكن .. لتعلم الأجيال بعد ذلك الغلام .. أن هذا الدين عزيز .. تسكب لعزه الدماء .. وتتناثر الأشلاء ..
وتسحق لنصرته الجماجم .. ويكتب تاريخه بالدم ..
ولإن كان الكافرون اليوم يتفاخرون .. بجنود لهم يموتون .. لنصرة تراب أوطان .. أو عز وسلطان ..
أو يدفعونهم إلى ساحات القتال .. بعطايا وأموال ..
فإننا نفخر بقوم يموتون اليوم .. وتطير أرواحهم غداً في أجواف طير خضر ..
تتنعم في الجنة كيف شاءت ..
وما ضر الراهب ولا الغلام .. ولا الوزير والأيتام ..
أن صبروا على شدة القتل ساعة .. إذا كانوا اليوم .. قد حطوا رحالهم في الجنات .. وذبهت الأنات .. وحلت الخيرات ..
وكفرت السيئات .. وانقضت الحسرات .. ونسيت الكربات ..
برب يفرح بلقياهم ويفرحون .. ويعطيهم ما يؤملون ..
ويشفي صدورهم .. بالنظر إلى الكافرين يتعذبون .. وفي النيران يتقلبون ..
( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) ..
* * * * * * * * * *
نعم والله .. قد ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ..
أما الغلام فيتنعم اليوم .. وقد مات في الدنيا .. ومات المؤمنون ..
يموتون .. والله قادر على نصرهم في طرفة عين ؟!
يموت الغلام .. الذي دكت من أجله الجبال .. وثارت لنصره البحار ..
نعم ..
وربك يفعل ما يشاء ويختار ..
ينصر عباده متى شاء .. ويؤخر النصر إذا شاء .. وله في كل ذلك حكمة وغاية ..
يخرج النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة .. فينام تحت شجرة .. فما يوقظه إلا صياح كافر .. قد رفع عليه السيف وهو يقول : من يمنعك مني .. فيقول : يمنعني منك .. الله .. فيسقط السيف من يد الكافر .. بل ويخر الكافر صريعاً .. ويمنعه الله من الموت ..
ويذهب يوماً إلى يهود خيبر .. فيجلس تحت جدار .. فيعزمون على قتله .. فيصعد أحدهم فوق الجدار .. يحمل رحى عظيمة .. فلما كاد أن يلقيها .. يأمر الله نبيه فيقوم من مكانه .. وتسقط الرحى على الأرض .. ويمنعه الله من الموت ..
ومع ذلك .. تضع له اليهودية سماً في شاة .. فلا يُنبَّئ بخبر السم حتى نهش منها نهشة .. فيصيبه سمها .. فلم يزل يعاوده أثر السم حتى مات بسببه ..
وهذا حال أنبياء الله ورسله .. منهم من يعجل له النصر .. ومنهم من يتأخر عنه ..
إبراهيم عليه السلام .. يلقى في النار .. فيقول الله لها كوني برداً وسلاماً على إبراهيم .. ويلبث فيها أياماً حتى خمدت .. وخرج يمشي ليس به بأس .. ويمنعه الله من الموت ..
ونوح عليه السلام .. يكيد له قومه .. فينادي ربه أني مغلوب فانتصر .. فإذا بهذه الكلمات الثلاث .. تهز أبواب السماء فتتدفق بماء منهمر .. وتهز طبقات الأرض فتتفجر عيوناً .. ويهلك المكذبون .. ويمنع الله نبيه عليه السلام ..
ولوط عليه السلام ينادي .. فينجيه الله من القرية التي كانت تعمل الخبائث .. وينجي الله نبيه عليه السلام ..
وانظر إن شئت إلى شعيب .. وإن شئت فانظر إلى هود .. وطالع حال صالح وموسى .. عليهم السلام ..
عجائبُ في نصر الله لهم ..
ومع ذلك .. يُقتل زكريا عليه السلام .. ويذبح يحي .. ويؤذى عيسى حتى رُفِع ..
وله سبحانه الحكمة البالغة .. في تقدير النصر والهزيمة ..
والحق منصور وممتحن فلا تعجب فهذي سنة الرحمن
ولا يضيع الله أجر المحسنين .. سواء ظهر نصرهم في الدنيا أو لم يظهر .. فإنما عليك إلا البلاغ والله بصير بالعباد ..
لكن اليقين عندنا الذي لا يخالطه شك .. أن الله كما نصر محمداً .. وكشف الكفر عن البيت العتيق .. فسوف ينصر أتباعه إلى يوم الدين .. إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ..
فلو أبصرت عيناك وجه محمد ورأيت ما يجري بدار الأرقم
ورأيت مكة وهي تغسل وجهها بالنور من آثار ليل مظلم
وفتحت نافذة لتسمع ما تلا جبريل من آي الكتاب المحكم
ورأيت ميزان العدالة قائماً يُقتص فيه ضحىً من ابن الأيهم
ورأيت كيف غدا بلال سيداً ومضى الطغاة إلى شفير جهنم
لغسلت سيف الحر من صدأ الثرى وعزفت في الميدان ركض الأدهم
وبذلت هذي النفس حتى ينجلي عن قبح وجه الخائن المتلثم
وأرحتنا من كل صاحب زلة يوحي إليك بقصة ابني ضمضم
كم فارس من قومنا لما رأى لهب الرصاص أدار مقلة غيلم
ترك الضحايا خلفه وسعى إلى قبو ليغمض مقلتيه ويحتمي!!
* * * * * * * * * *
ولكن لا يزال للدين فوارس .. يغشون الوغى ويعفون عند المغنم ..
يصاب سعد بن معاذ في الخندق .. فيموت ..
فينزل سبعون ألف ملك من السماء .. يتقدمهم جبريل إلى خاتم الأنبياء ..
فيسرع جبريل إلى النبي عليه الصلاة والسلام .. فيقول : يا محمد .. من هذا من أصحابك الذي مات فاهتز لموته عرش الرحمن .. وفتحت له أبواب السماء ..
فيقوم النبي عليه الصلاة والسلام مسرعاً .. ينظر من الذي مات .. يتفقد أصحابه .. أين أبو بكر ؟ عمر ؟ عثمان .. علي .. طلحة ..
فلما خرج فإذا سعد بن معاذ قد مات ..
رجل قد خدم الدين .. وجاهد لرب العالمين ..
فلما مات .. ما فقدته زوجة وولد ودابة ..
وإنما اهتز لموته عرش الرحمن ..
وفقده مسجده ومحرابه .. وسيفه وحرابه ..
بل بكت لموته الأرض والسماء .. وعم الناسَ البكاء ..
لأنه ما عاش لنفسه .. ولا لبيته وفلسه .. وإنما عاش لينصر هذا الدين .. أنفق لأجله ماله .. وفارق داره عياله ..
حتى مات .. فاستبشر أهل السماء بقدومه ..
* * * * * * * * * *
نعم سعد يموت .. فيهتز لموته عرش الرحمن ..
وحنظلة يموت .. فتغسله ملائكة المنان ..
وعاصم بن ثابت يموت .. فيرسل الله إليه جنداً تحمي جسده ..
أما عبد الله أبو جابر فيموت .. في معركة أحد .. ويترك سبع بنيات أيتام ..
فيقبل إليه ولده جابر .. وقد غطوه بثوب .. فجعل يكشف عن وجهه ويبكي .. فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم .. فقال : تبكيه أو لا تبكيه .. ما زالت الملائكة تظلله بأجنحتها حتى رفعتموه ..
ثم قال صلى الله عليه وسلم .. يا جابر .. ألا أخبرك .. إن الله كلم أباك كفاحاً .. فقال : يا عبدي سلني أعطك .. قال :
أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانياً .. فقال : إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون ..
قال : يا رب فأبلغ من ورائي .. فأنزل الله ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) ..
ويقرأ الصالحون من بعده هذه الآيات .. فيشتاقون للقاء إخوانهم في الجنات .. فيخوضون الطريق إليها غير مبالين بقلة العدد .. وضعف العدة .. وندرة المناصر ..
أنس بن النضر .. في معركة أحد لما قتِّل المسلمون .. وظهر الكافرون .. وأشيع أن النبي عليه الصلاة والسلام قتل .. واضطرب الناس ..
مرّ أنس بن النضر .. بعمر وطلحة ونفر من الصحابة .. قد تجنبوا ساحة القتال .. وألقوا بسلاحهم ..
فقال : ما يجلسكم ؟
قالوا : قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فصاح بهم وقال : فما تضنون بالحياة بعد ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
ثم رفع بصره إلى السماء وقال : اللهم إني أعتذر إليك مما فعل هؤلاء .. وأبرأ إليك مما يفعل أولئك ..
ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل .. فوجدوه بين القتلى .. في جسده أكثرُ من سبعين ضربة .. قد مزق جسده .. واغبرّ وجهه .. وسالت دماؤه .. وما عرفته إلا أخته .. بعلامة في طرف أصبعه ..
* * * * * * * * * *
وكما أن في الرجال أبطال .. يصبرون على القيد والأغلال .. والرمي بالنبال ..
ففي النساء كذلك .. صالحات قانتات .. منيبات صابرات .. علقن أنفسهن بالجنات .. وأحبهن رب الأرض والسموات ..
منهن أم عمار بن ياسر .. سميةَ بنتِ خياط ..
لها خبر عجب ..
كانت أمة مملوكة لأبي جهل .. فلما جاء الله بالإسلام .. أسلمت هي وزوجها وولدها ..
فجعل أبو جهل يفتنهم .. ويعذبهم .. ويربطهم في الشمس حتى يشرفوا على الهلاك حراً وعطشاً ..
فكان صلى الله عليه وسلم يمر بهم وهم يعذبون .. ودماؤهم تسيل على أجسادهم .. وقد تشققت من العطش شفاههم .. وتقرحت من السياط جلودهم .. وحر الشمس يصهرهم من فوقهم ..
فيتألم صلى الله عليه وسلم لحالهم .. ويقول : صبراً آل ياسر .. صبراً آل ياسر .. فإن موعدكم الجنة ..
فتلامس هذه الكلمات أسماعهم .. فترقص أفئدتهم .. وتطير قلوبهم .. فرحاً بهذه البشرى ..
وفجأة .. إذا بفرعون هذه الأمة .. أبي جهل يأتيهم .. فيزداد غيظه عليهم .. فيسومهم عذاباً ..
ويقول : سبوا محمداً وربه .. فلا يزدادون إلا ثباتاً وصبراً .. عندها يندفع الخبيث إلى سمية .. ثم يستل حربته .. ويطعن بها في فرجها .. فتتفجر دماؤها .. ويتناثر لحمها .. فتصيح وتستغيث .. وزوجها وولدها على جانبيها .. مربوطان يلتفتان إليها ..
وأبو جهل يسب ويكفر .. وهي تحتضر وتكبر .. فلم يزل يقطع جسدها المتهالك بحربته .. حتى تقطعت أشلاءً .. وماتت رضي الله عنها ..
نعم .. ماتت .. فلله درها ما أحسن مشهد موتها ..
ماتت .. وقد أرضت ربها .. وثبتت على دينها ..
ماتت .. ولم تعبأ بجلد جلاد .. ولا إغراء فساد ..
* * * * * * * * * *
أما أم شريك غزيةُ الأنصارية ..
أسلمت مع أول من أسلم في مكة البلد الأمين .. فلما رأت تمكن الكافرين .. وضعف المؤمنين ..
حملت هم الدعوة إلى الدين .. فقوي إيمانها .. وارتفع شأن ربها عندها ..
ثم جعلت تدخل على نساء قريش سراً فتدعوهن إلى الإسلام .. وتحذرهن من عبادة ألأصنام ..
حتى ظهر أمرها لكفار مكة .. فاشتد غضبهم عليها .. ولم تكن قرشية يمنعها قومها ..
فأخذها الكفار وقالوا : لولا أن قومك حلفاء لنا لفعلنا بك وفعلنا .. لكنا نخرجك من مكة إلى قومك ..
فتلتلوها .. ثم حملوها على بعير .. ولم يجعلوها تحتها رحلاً .. ولا كساءً .. تعذيباً لها ..
ثم ساروا بها ثلاثة أيام .. لا يطعمونها ولا يسقونها .. حتى كادت أن تهلك ظمئاً وجوعاً ..
وكانوا من حقدهم عليها .. إذا نزلوا منزلاً أوثقوها .. ثم ألقوها تحت حر الشمس .. واستظلوا هم تحت الشجر ..
فبينما هم في طريقهم .. نزلوا منزلاً .. وأنزلوها من على البعير .. وأثقوها في الشمس ..
فاستسقتهم فلم يسقوها ..
فبينما هي تتلمظ عطشاً .. إذ بشيء بارد على صدرها .. فتناولته بيدها فإذا هو دلو من ماء ..
فشربت منه قليلاً .. ثم نزع منها فرفع .. ثم عاد فتناولته فشربت منه ثم رفع .. ثم عاد فتناولته ثم رفع مراراً ..
فشربت حتى رويت .. ثم أفاضت منه على جسدها وثيابها ..
فلما استيقظ الكفار .. وأرادوا الارتحال .. أقبلوا إليها .. فإذا هم بأثر الماء على جسدها وثيابها ..
ورأوها في هيئة حسنة .. فعجبوا .. كيف وصلت إلى الماء وهي مقيدة ..
فقالوا لها : حللت قيودك .. فأخذت سقائنا فشربت منه ؟
قلت : لا والله .. ولكنه نزل علي دلو من السماء فشربت حتى رويت ..
فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا : لئن كانت صادقة لدينها خير من ديننا ..
فتفقدوا قربهم وأسقيتهم .. فوجدوها كما تركوها .. فأسلموا عند ذلك .. كلهم .. وأطلقوها من عقالها وأحسنوا إليها ..
أسلموا كلهم بسبب صبرها وثباتها .. وتأتي أم شريك يوم القيامة وفي صحيفتها .. رجال ونساء .. أسلموا على يدها ..
* * * * * * * * * *
نعم .. أقوام هانت عليهم أنفسهم في سبيل الله .. فلم يلتفتوا إلى أجسادهم .. وإنما اهتموا بأرواحهم ..
وإذا كانت النفوس كباراً ** تعبت في مرادها الأجسام
لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وارتدت قبائل من العرب عن الإسلام ..
وظهر أمر ميلمة الكذاب .. وكثر أتباعه ..
انطلق جيش المسلمين لقتال مسيلمة في اليمامة في نجد من جزيرة العرب ..
مضى الجيش من المدينة إلى اليمامة .. فقطع أكثر من ألف كيل حتى وصل اليمامة ..
فإذا مسيلمة قد جمع أكثر من مائة ألف لقتال المسلمين ..
فما كاد المسلمون يستقرون .. حتى قام مسيلمة خطيباً في قومه فقال : اليوم يوم الغيرة .. فقاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نساءكم .. ولم يزل يحثهم .. حتى ثاروا ..
وابتدأ القتال .. وتنازل الأبطال ..
وقعقعت السيوف .. وتتابعت الـحُتوف ..
ورميت الرماح .. وارتفع الصياح ..
وغبرت خيل الرحمن .. وعلت أصوات الفرسان .. وفتحت أبواب الجنان .. وطارت أرواح الشهداء .. واشتاق الأولياء ..
وكان من أول من أصيب أبو عقيل الأنصاري ..أصابه في كتفه الأيسر سهم شل حركته .. فأخرج السهم .. فجرّوه إلى الخيام ..
فلما حمي القتال .. وظهر قوم مسيلمة .. وبدأ بعض المسلمين يفرون ..
وأبو عقيل على فراشه لا يقوى على الحركة ..
سمع صائحاً يقول : يا معاشر الأنصار ! الله الله والكرة على عدوكم ..
قال عبد الله بن عمر : فنهض أبو عقيل .. يتكئ على يمينه .. ويريد سيفه ..
فقلت : ما تريد ؟ ما فيك قتال ..
قال : قد نوه المنادي باسمي ..
قلت له : إنما يقول : يا للأنصار .. و لا يعني الجرحى ..
قال أبو عقيل : أنا من الأنصار وأنا أجيبه والله ولو حبواً ..
قال ابن عمر : فتحزم أبو عقيل .. وأخذ السيف بيده اليمنى ..
ثم خرج وهو ينادي : يا للأنصار ! كرةٌ كيوم حنين .. فاجتمِعوا رحمكم الله .. وجعل يصيح بهم .. ويضرب من رأى من الكفار بسيفه ..
قال ابن عمر : فنظرت إلى أبي عقيل .. وقد قطعت يده المجروحة من المنكب .. فوقعت إلى الأرض .. وجراحه تنزف ..
فلما انتهى القتال .. أقبلت ألتمسه .. فإذا هو صريع بآخر رمق ..
فقلت : أبا عقيل .. فقال ـ بلسان ملتاث ـ: لبيك لمن الدّبَرة ؟
قلت : أبشر .. قد قتل عدو الله ..
فرفع إصبعه إلى السماء وقال : الحمد لله .. ثم مات ..
وهزم الله قوم مسيلمة .. وهربوا وأخذوا يتفرقون في الشعاب ..
ولم يزل الصحابة يسوقونهم أمامهم .. ويضعون السيوف في رقابهم .. وهم مضطربون لا يدرون إلى أين يلجئون ..
حتى وقف حكم بن الطفيل من قوم مسيلمة ثم صاح بقومه :
تحصنوا بالحديقة ..
فتسابقوا إليها .. وقام هو على مرتفع يناديهم .. ويشير لهم .. فرماه عبد الله بن أبي بكر بسهم في عنقه وهو يخطب فقتله ..
ودخل جيش مسيلمة الحديقة .. وكانت حديقة عظيمة .. طويلةٌ جدرانها .. محصنةٌ أطرافها ..
وأغلقوا بابها .. فجعل الصحابة يطوفون بجدرانها .. ويدفعون أبوابها ..
وقد اشتد حنقهم على الكفار ..
فأقبل البراء بن مالك .. هل رأيت البراء بن مالك ..؟؟ لم تره !!
كان نحيل الجسم .. دقيق الساقين .. صغير اليدين .. قصير القامة .. لكنه كان بطلاً قتل مائة مشرك مبارزة وحده .. فضلاً عمن قتلهم أثناء المعارك ..
أخذ البراء يطوف بالحصن كالأسد .. يزار من حرّ ما يجد .. كيف ينجو الكفار بهذه السهولة .. ثم أخذ ينظر إلى جدار الحديقة فإذا هو رفيع ..
فأقبل إلى باب الحديقة فإذا عنده عدد من الأصحاب ..
فقال لهم : يا معشر المسلمين .. احملوني في ترس .. وألقوني عليهم في الحديقة ..
فعجبوا .. كيف نلقيك وأنت واحد وهم مائة ألف ..
فلا زال بهم .. حتى حملوه في ترس .. ورفعوها بالرماح .. حتى بلغ أعلى الجدار .. فقفز وحده داخل الحديقة ..
فلم يرُعِ الكفار .. إلا وهو بين أيديهم .. فاجتمعوا عليه .. هذا يضربه بسيف .. وذاك يطعنه بخنجر .. والثالث يضربه بعصا ..
وهو يتقي هذا بترسه .. والآخرَ بسيفه .. ويدفع الثالث بيده .. ويزحف جهة الباب ليفتح للمسلمين .. ودماؤه تسيل .. ولحمه يتساقط ..
حتى اتكأ على الباب ففتحه .. وتدافع المسلمون كالسيل إلى الحديقة .. واشتد فيها القتال .. حتى سميت بحديقة الموت ..
وهزم الله جند الكافرين .. أما البراء فقد مضى شهيداً مع المؤمنين ..
* * * * * * * * *[/b][/b][/b][/size]